22 مسجدًا في مرمى الكراهية خلال 3 أشهر.. تصاعد الاعتداءات الدينية يثير القلق في بريطانيا
22 مسجدًا في مرمى الكراهية خلال 3 أشهر.. تصاعد الاعتداءات الدينية يثير القلق في بريطانيا
تشهد المملكة المتحدة منذ أشهر موجة متصاعدة من جرائم الكراهية التي تستهدف المسلمين ودور عبادتهم، في وقت تحذر فيه المنظمات الحقوقية من أن البلاد تواجه واحدة من أكثر فتراتها توترًا على الصعيد الديني والاجتماعي منذ عقد من الزمن.
فقد كشفت منظمة "تل ماما" Tell MAMA، المعنية برصد جرائم الكراهية ضد المسلمين، في بيان صحفي يوم الجمعة، أن ما لا يقل عن 22 مسجدًا في أنحاء بريطانيا تعرض لهجمات أو أعمال استهداف خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط، في معدل وُصف بأنه "من الأعلى منذ عام 2011".
وقالت المنظمة إن هذه الاعتداءات تمثل "اتجاهًا مقلقًا للغاية" يعكس تصاعد خطاب الكراهية ضد المسلمين في الفضاء العام، مشيرةً إلى أن الزيادة المماثلة الوحيدة سُجلت عقب مقتل الجندي البريطاني لي ريغبي في عام 2013، حين تصاعدت أعمال العداء ضد الجالية المسلمة على نطاق واسع.
من الاعتداء اللفظي إلى العنف
لم تعد الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا محصورة في الإساءة اللفظية أو التنمر عبر الإنترنت، بل تجاوزتها إلى أعمال عنف مادي طالت المساجد والمراكز الإسلامية وحتى المدارس.
وشملت الهجمات الأخيرة أعمال تخريب على جدران المساجد، وإلقاء مواد حارقة، إضافة إلى تهديدات مكتوبة ورسائل إلكترونية تحض على الكراهية، كما وثقت منظمات المجتمع المدني ازديادًا في حالات الاعتداء الجسدي على النساء المحجبات، وارتفاعًا في الخطاب العدائي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تقول إيمان عطا، مديرة منظمة "تيل ماما"، إن هذه الاعتداءات "تترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا بالغًا في المجتمعات المسلمة"، مضيفةً أن الخوف والغضب والقلق أصبحت مشاعر يومية لدى كثيرين، وتؤكد أن "أماكن العبادة يجب أن تكون ملاذًا آمنًا، لا مصدر خوف".
تداعيات هجوم مانشستر
تزامن تصاعد الاعتداءات على المساجد مع حادثة الهجوم على كنيس "هيتون بارك" العبري في مانشستر، وهو ما أثار مخاوف من موجة تطرف متبادل قد تهدد نسيج التعايش الديني الذي تميزت به بريطانيا لعقود.
وترى منظمات المجتمع المدني أن "التحريض ضد المسلمين واليهود معًا يعكس أزمة أوسع في الخطاب العام"، إذ تُستغل الأزمات السياسية والأحداث الدولية لتأجيج مشاعر الكراهية والانتقام بين فئات المجتمع.
ويشير باحثون إلى أن التطرف اليميني المتصاعد داخل بعض المدن البريطانية يلعب دورًا في إذكاء هذه التوترات، مستفيدًا من الخطاب الشعبوي والقلق الاقتصادي والاجتماعي.
دعوات لتوسيع الحماية
طالبت منظمة "تيل ماما" الحكومة البريطانية بتوسيع نطاق الحماية الممنوحة لدور العبادة، معتبرة أن صندوق "أماكن العبادة" الذي تديره وزارة الداخلية غير كافٍ لمواجهة حجم التهديدات المتزايدة.
وأكدت إيمان عطا أن الحل لا يكمن فقط في زيادة الكاميرات أو عناصر الأمن، بل في "تبني استراتيجية وطنية شاملة تعالج جذور الكراهية من خلال التعليم والإعلام والخطاب السياسي المسؤول".
وتشير منظمات أخرى إلى أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب "جهدًا تشاركيًا" يشمل الحكومة والشرطة والمؤسسات التعليمية والدينية على حد سواء، لإعادة بناء الثقة وتعزيز قيم المواطنة المشتركة.
ظاهرة تتجاوز الأرقام
تُظهر البيانات الرسمية أن جرائم الكراهية الدينية في بريطانيا سجلت ارتفاعًا مستمرًا خلال السنوات الأخيرة، حيث تم الإبلاغ عن عشرات الآلاف من الحالات سنويًا، يشكل المسلمون النسبة الكبرى فيها.
لكن خبراءً يحذرون من أن الأرقام المعلنة لا تعكس الحجم الحقيقي للمشكلة، إذ يتردد كثير من الضحايا في الإبلاغ خوفًا من الانتقام أو من عدم اتخاذ السلطات إجراءات فعالة.
ويرى الباحث في شؤون التطرف الدكتور أندرو هاسكينز أن "بريطانيا تقف اليوم أمام لحظة اختبار حقيقية"، مضيفًا أن "القضية لا تتعلق فقط بحماية المساجد، بل بحماية مفهوم التعددية نفسه، وهو أحد أعمدة المجتمع البريطاني الحديث".
قلق أممي وحقوقي
تشهد مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية قلقًا متزايدًا من تصاعد خطاب الكراهية الدينية في عدد من الدول الغربية، ومنها المملكة المتحدة، فقد حذّر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، من أن “خطاب الكراهية الديني لا يهدد فقط الأقليات المستهدفة، بل يقوّض أسس التعايش ويغذي دوائر التطرف المتبادل”.
ودعت الأمم المتحدة الحكومات إلى تطبيق التزاماتها الدولية في حماية حرية المعتقد وضمان عدم استخدام المنابر السياسية أو الإعلامية للتحريض على الكراهية أو العنف، مؤكدة أن احترام التنوع الديني جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان العالمية.
وفي السياق ذاته، عبّرت منظمات دولية مثل “العفو الدولية” و“هيومن رايتس ووتش” عن قلقها من تزايد حوادث الاعتداء على دور العبادة، مشددة على أن التصدي لخطاب الكراهية يتطلب استجابة شاملة تتجاوز الإجراءات الأمنية.
وأكدت هذه المنظمات أن مواجهة الظاهرة تبدأ من التعليم والإعلام، عبر ترسيخ ثقافة الاحترام المتبادل، ومساءلة من يروجون للتمييز الديني أو العنصرية، كما دعت إلى تمكين الضحايا من الإبلاغ عن الانتهاكات وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب، باعتبار أن التساهل مع الكراهية اليوم يمهد الطريق لمزيد من العنف غدًا.
مسار مكافحة الكراهية
تأسست منظمة "تل ماما" عام 2011 بوصفها جزءاً من مؤسسة "فيد ماترز" Faith Matters، لتكون أول مشروع وطني مخصص لرصد ومساعدة ضحايا جرائم الكراهية ضد المسلمين، وتقدم المنظمة دعمًا نفسيًا وقانونيًا للضحايا، وتعمل بالتعاون مع الشرطة لتوثيق الحالات وتحليل أنماطها.
وفي السنوات الأخيرة، دعت المنظمة إلى تعزيز الوعي المجتمعي بخطورة الكراهية الدينية، وتطوير برامج تعليمية داخل المدارس لتعزيز قيم التسامح والمواطنة.
ورغم الجهود الحكومية، تشير تقارير متخصصة إلى أن الخطاب المعادي للأقليات في الإعلام ووسائل التواصل ما زال يشكل تحديًا كبيرًا أمام بناء مجتمع أكثر أمانًا وتسامحًا.